ما إن أعلنت بريطانيا في 1968 قرارها بالانسحاب من منطقة شرق قناة السويس ، بما فيها منطقة الخليج العربي في موعد أقصاه نهاية عام 1971 ، حتى برزت فكرة قيام الاتحاد يجمع بين إمارات الخليج التي كانت لا تزال خاضعة للسيطرة البريطانية ، وبادر الشيخ / زايد بالخطوة الأولى حين توجه إلى دبي وعقد اجتماعا مع أخيه الشيخ / راشد بن سعيد آل مكتوم ـ رحمه الله ـ حاكم إمارة دبي في الثامن عشر من فبراير سنة 1968 لبحث إمكانية قيام اتحاد ثنائي بين الإمارتين ، يكون نواة لاتحاد أشمل يضم جميع إمارات الخليج العربي .
واصدرا الحاكمان الأخوان بيانا عقب اجتماعهما أعلنا فيه أنهما ناقشا بصراحة وإخلاص كل ما يتعلق بمصالح بلديهما ومصيرهما الواحد ، واتفق الحاكمان في ذلك الاجتماع المهم في تاريخ المنطقة ، على دعوة حكام الإمارات المتصالحة الأخرى للمشاركة في الاتحاد وتوجيه دعوة مماثلة لكل من حاكمي قطر والبحرين للانضمام إليهما وصنع مستقبل المنطقة .
وفي الخامس والعشرين من الشهر نفسه عقد حكام الإمارات التسع اجتماعا في دبي أعلن في نهايته عن توقيع اتفاقية لإقامة اتحاد يشمل إمارات أبوظبي والبحرين ودبي وقطر وأم القيوين والشارقة وراس الخيمة والفجيرة وعجمان على إن يبدأ العمل في نهاية الشهر التالي ، ويحمل اسم اتحاد الإمارات العربية ، وقد أرست هذه الاتفاقية قواعد اتحاد الإمارات العربية ككيان سياسي موحد .
وعقد المجلس الأعلى لاتحاد الإمارات العربية اجتماعاً آخر في أبوظبي يومي الخامس والعشرين والسادس والعشرين من مايو سنة 1968 ، وناقش في عدة جلسات مغلقة النواحي القانونية التي تتعلق بمبدأ التنفيذ لمجموعة من جوانب الاتفاق ، ولا سيما انتخاب أول رئيس للاتحاد واختيار المقر الدائم واعداد الدستور ، ثم عقد اجتماع ثالث في أبوظبي في السادس من يوليو من العام نفسه ، انتخب فيه الشيخ / زايد أول رئيس للمجلس الأعلى .
وفي الثالث عشر من حزيران سنة 1970 عقد اجتماع حضره نواب حكام الإمارات في محاولة لدفع المسيرة الاتحادية إلى الأمام ، وبعد ذلك أعلنت الشقيقتان البحرين وقطر انهما ستسيران في طريق الاستقلال الذاتي بعد جلاء البريطانيين عن منطقة الخليج في عام 1971 .
غير إن فشل مباحثات الاتحاد التساعي لم ينل من عزيمة الراغبين فعلاً في إقامة الاتحاد العتيد ، وفي مقدمتهم الشيخ / زايد بن سلطان آل نهيان حاكم أبوظبي ، الذي جدد دعوته في 28 يونيو 1971 إلى بقية حكام دبي والشارقة ورأس الخيمة للتداول في شأن عقد مجلس حكام الإمارات المتصالحة ، وتحويل مكتب تطوير الإمارات إلى حكومة اتحادية .
وفي هذه الأثناء عقد مجلس الإمارات المتصالحة اجتماعا عاديا في دبي برئاسة الشيخ / صقر بن محمد القاسمي ، توصل الحكام من خلاله إلى اتفاق لتكوين اتحاد جديد بين إماراتهم ، باستثناء راس الخيمة ، برئاسة الشيخ / زايد حاكم إمارة أبوظبي ولمدة خمس سنوات قابلة للتجديد ، واختيار أبوظبي كعاصمة مؤقتة للاتحاد إلى حين بناء العاصمة الدائمة .
وفي الثامن من عشر من يوليو 1971 عقد حكام إمارات أبوظبي ، ودبي ، والشارقة ، وعجمان ، وأم القيوين ، والفجيرة ، اجتماعا في دبي صدر بعده البيان التالي : بعونه تعالى ، واستجابة لرغبة شعبنا العربي فقد قررنا نحن حكام أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان وأم القيوين والفجيرة ، إقامة دولة اتحادية باسم الإمارات العربية المتحدة .
وفي الثاني من ديسمبر عام 1971 ، تم الإعلان فعليا عن قيام هذه الدولة ، وبوشر العمل بدستورها المؤقت ، وإنهاء كافة المعاهدات الخاصة التي كانت تربط هذه الإمارات مع بريطانيا ، وتم توقيع معاهدة صداقة جديدة بين بريطانيا ودولة الإمارات العربية المتحدة .
وفي هذا اليوم المظفر ، صدر بهذه المناسبة البيان التاريخي التالي : في هذا اليوم 2 ديسمبر 1971 ، عقد حكام إمارات أبوظبي ، ودبي ، والشارقة ، وعجمان ، وأم القيوين ، والفجيرة ، الموقعون على الدستور المؤقت للإمارات العربية المتحدة اجتماعا لهم في جو سادته مشاعر الأخوة والثقة والحرص العميق على تحقيق إرادة شعب الإمارات ، وأصدروا إعلان سريان مفعول أحكام الدستور المؤقت اعتبارا من هذا العام .
إما إمارة رأس الخيمة فتأخرت في الانضمام إلى الدولة الاتحادية ، لأنها ربطت انضمامها إليها بشرط إعلان الاتحاد مقاطعته لإيران ، واتخاذه الإجراءات الحازمة ضد مصالحها فيه ، بسبب احتلالها للجزر العربية الثلاث ، إضافة إلى شروط أخرى تتعلق بتمثيلها في الحكومة الاتحادية ، ولكنها لم تلبث إن عدلت عن موقفها هذا ، فتقدمت في 23/12/1971 بطلب الانضمام إلى الاتحاد ، وفي 10/2/1972 تمت الموافقة على قبولها في عضوية الاتحاد بقرار صادر من المجلس الأعلى ، وبذلك اكتمل كيان اتحاد الإمارات العربية .
وفور قيامها انضمت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى جامعة الدول العربية في 6/12/1971 ، لتصبح الدولة الثامنة عشر ، وانضمت إلى منظمة الأمم المتحدة في 9/12/1971 لتصبح الدولة الثانية والثلاثين بعد المائة .
وهكذا تكللت جهود الشيخ / زايد وأخواته حكام الإمارات بقيام دولة الإمارات العربية المتحدة ، التي تعتبر بحق أفضل تجربة اتحادية ، وأطولها في تاريخ الأمة العربية قاطبة ، ومنذ اليوم الأول لقيامها بدأت الدولة الجديدة مسيرتها النهضوية والتنموية والتوحيدية لتشمل كافة مناطق البلد ، وكافة المرافق الحيوية بها ، كما اتبعت في علاقاتها الخارجية سياسة متوازنة تقوم على عدم التسييس ، والاستقطاب ، وعدم الدخول في الأحلاف على اختلاف أنواعها ، وإقامة علاقات أخوة مع الدول العربية والإسلامية ، وعلاقات صداقه مع بقية دول العالم .