كان في حارتنا بيت قديم يسكنه رجل عجوز طاعن في السن وحيد دائما ، لم نكن نرى له اي أقرباء يزورونه أو أولاد ، وحتى هو كان منعزلا دائما لا يحادث احدا ولا يلقي السلام على اي من الجيران ولا يتدخل في اي شأن من شؤن جيرانه الذين هم نحن ، كل الذي كنا نراه اذا صادف وكنا نلعب في الحارة هو خروجه أحيانا من المنزل وذهابه الى مكان مجهول ثم رجوعه ليدخل المنزل ويغلق الباب الخشبي وراءه ، ولم يكن أحد يعرف له تاريخا على غير المعتاد في مجتمع الحارات ، كل الذي نعرفه ان اسمه العم عبد السلام .
وفي يوم ما خرجت لألعب بعد العصر كالعادة مع أبناء الجيران وما أن انتصف اللعب حتى تمادينا فيه لنصل الى جوار بيت العم عبد السلام ، وصاح احدنا وهو يغلق انفه مشمئزا هناك رائحة كريهة من بيت العم عبد السلام ودققت الشم عندي وفعلا استطعت التقاط رائحة نتنة كريهة يحجب معظمها الباب الخشبي المغلق ، ولم نهتم كثيرا بالموضوع فما اكثر الروائح النتنة في حارتنا ، ورجعت بعد اكمال اللعب الى البيت ، وبعد صلاة العشاء تنامى الى اسماعنا في البيت حركة غريبة في الحارة واطللت من الشباك انا واخوتي لنرى سيارة اسعاف وسيارة شرطة ورجال يتهامسون ويتناقشون امام بيت العم عبد السلام وثاني يوم علمنا ان العم عبد السلام مات منذ ازيد من ثلاثة ايام وأن الرائحة النتنة كانت بسبب تعفن جثته ، وترحم الجميع عليه وتداولوا اسمه لبضعة ايام او اسابيع ثم نسي في غمار الحياة اليومية ، ولكن بعد ستة اشهر اقبل صاحبنا الذي نبهنا الى الرائحة يصيح بانه رأى شخصا يشبه العم عبد السلام يخرج من البيت ومعه صحن مقعر من النوع الذي يستخدم لأكل الفول عادة ، واجابه من اجابه بأن بيت العم عبد السلام اغلقته الحكومة بالسلاسل لأنه لا وريث له كما يظهر وأنه لا احد يسكن فيه ، ولكن الفتى اقسم انه رأى احدا يشبهه ولولا انه يعلم بموته يقينا لقال انه هو ، ورد عليه آخرون بانه من الممكن ان يكون احد فعلا يشبهه فالشيوخ عادة يشبهون بعضهم ، وفي يوم كنا نلعب امام الباب الخشبي المسلسل لبيت العم عبد السلام واذا بالفتى يصيح بنا ان ننظر الى الشباك المفتوح جزئيا في الطابق الثاني لبيت العم عبد السلام فنظرنا واذا بوجه آدمي يطل علينا جزئيا من الشباك الموارب تمعنت فيه وقد شدت اعصابي الا انه بسبب خفوت الضوء لم استطع تحديد ملامحه بدقة ، واقسم صاحبنا الصغير انه وجه العم عبد السلام وسخرنا منه فقد يكون كيسا او خرقة تطايرت وهييء الينا انه وجه ، وفي اليوم التالي جاءت جارتنا ام صاحبنا الذي رأى العم عبد السلام تقول لأمي ان ولدها يهلوس ويخترع حكايات حول رؤيته لشبح عجوز ، وانتشرت القصة في الحارة ، وافادت أيضا صبية في مثل عمرنا تقريبا انها رأت شبح العم عبد السلام ممسكا بصحن يخرج من الباب المغلق بالسلاسل وتناقل االجيران كلام الصبية الصغار ذوي الخيال الجامح بالأبتسام ، ومر اسبوعان جاءت ام صاحبنا مرة ثانية تسأل عن ابنها لأنه لم يعد من المدرسة فتذكرت انني لم اره في المدرسة في هذا اليوم وجن جنون المرأة فسألت عنه في كل بيت في الحارة فأجابوا بالسلب ، فذهب ابوه الى الشرطة ومر يوم ويومان وثلاثة ايام واربعة ونزلنا الى الحارة بعد العصر لنلعب فالتقط أنفي رائحة من وراء الباب الخشبي لبيت العم عبد السلام تشبه تلك الرائحة التي شمها صاحبنا الصغير المفقود أول مرة وحتى اصحابنا اكدوا وجودها واقتربنا من الباب المسلسل بالحديد لنجد ان الرائحة حقيقية وانها اكثر نفاذا وواقعية ، ومر علينا كبار الحارة فاخبرناهم فتأكدوا مثلنا وماهي الا ساعتين حتى حضرت الشرطة فكسروا الباب وأزالوا السلاسل ليجدوا جثة صبي متحللة وامامها طبق فول ومن ملابسها عرفوا فيها جثة صاحبنا المفقود ، اما كيف دخل الى البيت وكيف مات فلم يعرف البوليس اية اجابات ابدا وحفظت القضية ضد مجهول